كيف تكتب خطاباً يتذكره التاريخ؟
- رشاد عبد القادر

- 4 نوفمبر
- 2 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 11 نوفمبر


لم يكن ونستون تشرشل فقط رئيس وزراء المملكة المتحدة. كان أيضاً كاتباً غزير الإنتاج. كتب رواية، وسيرة ذاتية، ومذكرات، وبالطبع خطابات، وآلاف الرسائل. يقدّر مارتن جيلبرت، كاتب سيرته الذاتية، أن تشرشل كتب أكثر من 20 مليون كلمة.
سنقاتل على الشواطئ، سنقاتل على أرض الإنزال، سنقاتل في الحقول وفي الشوارع، سنقاتل على التلال؛ لن نستسلم أبداً.
We shall fight on the beaches, we shall fight on the landing grounds, we shall fight in the fields and in the streets, we shall fight in the hills; we shall never surrender.
ألقى هذا الخطاب في لحظة حرجة خلال الحرب العالمية الثانية. كانت فرنسا على شفا الانهيار، وكانت بريطانيا تواجه تهديد الغزو، وأراد تشرشل أن يُعدّ الجنود البريطانيين للمعركة الطويلة التي تنتظرهم. كان ذلك يعني عملياً الدفاع عن الأمة ضد ألمانيا النازية، مهما كانت التكلفة.
بنية هذه الجملة في خطابه بسيطة واستراتيجية. هناك عبارات يمكن تبديل موضعها قليلاً، وهنالك عبارة أساسية ثابتة في مكانها بنهاية الجملة. يُرسّخ تشرشل الفكرة بالتكرار. استخدم كلمة «سنقاتل» أربع مرات، والقتال سيدور في خمسة أماكن مختلفة: الشواطئ، وأرض الإنزال، والحقول، والشوارع، والتلال. كل كلمة، كل عبارة، تمهد الطريق إلى الفكرة الرئيسية في نهاية الجملة: «لن نستسلم أبداً.» هذا هو المضمون الذي أراد إيصاله. لكن تشرشل يعلم تماماً أن البلاغة قد تكون أحياناً أمضى من السلاح. أراد أن يخاطب قلوب الناس، وليس عقولهم فقط.
النصيحة التي قد تتلقاها اليوم في الكتابة، هي أن تحتفظ بما هو ضروري وتتخلص من كل ما هو غير ذلك. لكن تشرشل يتجاهل هذه القاعدة أو النصيحة. كان بإمكانه إيصال المضمون والمعلومات ذاتها في سبع كلمات فقط: «سنقاتل في كل مكان. لن نستسلم أبداً.» لكن يعد بها وقع عاطفي، أليس كذلك؟
بدلاً من ذلك، استخدم 18 كلمة ليمهد الطريق نحو النقطة الرئيسية. ترتيب الموقع الذي جاء فيه العبارات (وهي 5) داخل الجملة غير مهم. إذْ يمكن استبدالها، أو إضافة المزيد منها، دون أن تُحدث تغييراً كبيراً في إيقاع الجملة ووقعها (مثلاً: كان يمكنه أن يضيف: سنقاتل في المدن، سنقاتل في الغابات إلخ). كل ما يهم هو أن النقطة الرئيسية: «لن نستسلم أبداً»، جاءت في النهاية. ذلك لأن الرسالة التي أراد تشرشل نقلها ليست مبنية على حجج منطقية. إنها صرخة حشد.
لكن انتبه: المزيد من التكرار ليس دائماً أفضل. التكرار والوَقْع غالباً ما يكونان في حالة شدّ وجذب. التوازن الأمثل بينهما يعتمد على السياق. إذا أكثرت من التكرار، قد تفقد وقع جملتك. ولسبب ما، إذا كان عدد التكرارات فردياً (3، 5، 7، 9 إلخ) يكون في كثير من الأحيان لها تأثير أكبر من الأعداد الزوجية (2، 4، 6 إلخ).
وقد حقق تشرشل التوازن المثالي في جملته: 5 عبارات (تكرار)، واستنتاج واحد أخير: «لن نستسلم أبداً.»






