top of page

مِمّا قرأت

تعلّم  كيف تُوصِل النقاط معاً
من بعض أفضل الكتابات في العالم

White leather background with grained pattern_edited.jpg

كيف تقنع شخصاً آخر؟

تاريخ التحديث: 11 نوفمبر

روبن ويليامز
روبن ويليامز

تحليل مقطع من فيلم غود ويل هانتنغ

هذا ليس مجرّد درسٍ في الكتابة، بل درسٌ في كيفية تغيير قناعات شخصٍ ما.


حين تحاول انتقاد أحدهم، قد تميل إلى الهجوم الكامل لتفرض وجهة نظرك، لكن ما يحدث في هذا المقطع هو النقيض تماماً.


أنتَ عبقريٌّ يا «ويل». لا أحد يُنكر ذلك. لا أحد يستطيع أن يسبر أغوارك حقّاً. لكن أتظنّ أنك تعرف كلَّ شيءٍ عني لأنك رأيت لوحةً رسمتُها؟ لقد مزّقتَ حياتي اللعينة إرباً. أنتَ يتيم، أليس كذلك؟ أتعتقد أنني سأفهم شيئاً عن قسوة حياتك — عن مشاعرك، عن حقيقتك — لمجرّد أنني قرأت رواية «أوليفر تويست»؟ هل يختزل ذلك كيانك؟
You’re a genius, Will. No one denies that. No one could possibly understand the depths of you. But you presume to know everything about me because you saw a painting of mine? You ripped my fucking life apart. You’re an orphan, right? Do you think I’d know the first thing about how hard your life has been — how you feel, who you are — because I read Oliver Twist? Does that encapsulate you?

في مشهدٍ من فيلم «غود ويل هانتنغ» (1997)، يقف الطبيب النفسي «شون» — الذي يؤدي دوره روبن ويليامز — أمام الشاب العبقري «ويل هانتنغ» — الذي يؤديه مات ديمون.«ويل» شابٌّ لامع في الرياضيات ويعمل كعامل نظافة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لكنه يعيش حياةً مضطربةً بسبب طفولةٍ قاسيةٍ في دور الرعاية والعنف الذي تعرّض له. لا يثق بأحد، ويهاجم كلَّ من يحاول الاقتراب منه. يكتشف أحد الأساتذة موهبته الفذّة، ويحاول مساعدته عبر جلسات علاجٍ نفسيٍّ مع الدكتور «شون ماغواير».


في هذا المشهد المحوري، وبعد أن رأى «ويل» لوحةً في مكتب «شون»، يستخدمها لتشريح حياة الطبيب الشخصية بقسوة، ظانّاً أن لوحةً واحدةً تكشف كلَّ شيءٍ عن الرجل. لا يردّ «شون» على وقاحة «ويل» بالغضب، بل يختار أن يخاطبه بالأسئلة البلاغية التي تفتح قلبه دون أن تجرحه.


شخصية روبن ويليامز لا تستخدم أيّ جملةٍ تقريريةٍ في نقدها، بل تكتفي بالأسئلة البلاغية — وهي وحدها كافية لتخاطب قلب «ويل».يبدأ حديثه بترسيخ الاحترام. كلماته دافئة لكنها حازمة، وعندما ينادي «ويل» بالعبقري، لا يقولها مجاملةً، بل عن صدقٍ وإيمان. هذه الأصالة تُسقِط دفاعات «ويل» النفسية، فتمنح روبن ويليامز المساحة (والأوكسجين) ليقدّم نقطةً أكثر صرامةً.


تلك الأسئلة البلاغية تُكرّم ذكاء «ويل» — بل وتحوّله ضده. كلُّ سؤالٍ منها يطرق باب عالمه الداخلي:


  • الأول يستحضر التوتّر في آخر لقاءٍ بينهما (أتظنّ أنك تعرف كلَّ شيءٍ عني لأنك رأيت لوحةً رسمتُها؟)

  • الثاني يلمس جرحه العميق (أنتَ يتيم، أليس كذلك؟)

  • الثالث يتحدّى هويته (أتعتقد أنني سأفهم شيئاً عن قسوة حياتك — عن مشاعرك، عن حقيقتك — لمجرّد أنني قرأت رواية «أوليفر تويست»؟)

  •  أما الرابع فيوجّه الضربة القاضية: (هل يختزل ذلك كيانك؟)



البنية بسيطة: ابدأ بالاحترام، ثم اطرح بضع أسئلةٍ حادّةٍ. لن تحتاج إلى كثيرٍ من الكلام. لقد نجح هذا الأسلوب في «غود ويل هانتنغ»؛ لأنه ينجح في الحياة الواقعية أيضاً.


لم يكن «غود ويل هانتنغ» مجرّد فيلمٍ ناجحٍ؛ لقد كان ظاهرةً إنسانيةً وفنيةً. أخرجه غاس فان سانت، وكتب نصَّه شابّان غير معروفين آنذاك: مات ديمون وبن أفليك — وهو السيناريو الذي فتح لهما أبواب هوليوود ومنحهما جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي. حصد الفيلم تسعَ ترشيحاتٍ للأوسكار، وفاز منها بجائزتين: أفضل سيناريو أصلي، وأفضل ممثل مساعد لروبن ويليامز، الذي خلّد دوره كمعالجٍ إنسانيٍّ يمزج الحكمة بالحنان والألم.


أثرُ الفيلم تجاوز شباك التذاكر؛ فقد صار مرجعاً في الحوارات السينمائية حول الذكاء، والجرح العاطفي، ومعنى التعلّم، والثقة التي يحتاجها الإنسان ليشفى. إنه يذكّرنا بأن العبقرية بلا محبّةٍ تبقى سجناً، وأن أعمق التغييرات لا تصنعها الخطابات الطويلة، بل اللحظات الصادقة والأسئلة التي توقظ القلب.

White leather background with grained pattern_edited.jpg

اكتب كما يكتب العظماء

أمثلة جديدة أسبوعياً، مباشرة إلى بريدك الإلكتروني

اشترك في النشرة البريدية

White leather background with grained pattern_edited.jpg

كُنْ جزءاً من الرحلة

دعمك يصنع الفرق

إن وجدت في هذا المحتوى ما يُثري عقلك ويُلهم قلبك، فتبرّعك يُبقيه مستمراً..

اختر المبلغ الذي تريد التبرع به
‏١٠ €
‏٢٠ €
‏٣٠ €
‏٦٠ €
‏١٠٠ €

يمكنك التبرع أيضاً باستخدام PayPal

White leather background with grained pattern_edited.jpg

تودّ أن تتعمّق أكثر؟

White leather background with grained pattern_edited_edited.jpg

لماذا: «مِمّا قرأت»؟

«مِمّا قرأت»، قسم جديد في موقع «المحرر نت»، يحتفي بالكتابة الرفيعة. وعلى الرغم من الجهد المبذول فيه، إلّا أنه مجاني تماماً. في ثقافتنا، وا أسفاه، نادراً ما نقدّر الجهد الفكري ماديّاً، نعتبره هبة من الله. في كل مادة، نُفكِّك نصّاً من أعمال كاتبٍ مرموق، أو نصّاً يستحق. ستشعر بأنك في مختبر للأشعة السينية؛ ترى بوضوح الديناميكيات التي تجعل جملة ما تنبض بالحياة؛ والهدف أن تُحسِّن أنت أيضاً مهاراتك في هذه الصنعة. ثمّة تصوّر شائع يحول دون تحسين مهارات الكتابة، بأن يُنظر إلى النص بوصفه كتلة واحدة؛ فـ«النص»، بحسب هذا التصوّر، إمّا أن يكون حسناً بأكمله أو لا. ليس ثمَّة نص حسن؛ بل جمل حسنة. ألا ترى أنك عندما تقرأ نصّاً رائعاً، تتذكر منه جملاً بعينها؟ الكتابة الحسنة هي كتابة الجملة الحسنة. ستكتشف هنا كيف تتشكل الكتابة العظيمة؛ سنرفع الغطاء عن المحرك لترى آلة اللغة وهي تعمل. لا نملي عليك قواعد لتتبعها، بل نمسك بيدك، ونرشدك إلى النافذة التي ترى من خلالها كيف يجيد الكتّاب العظماء صنعتهم، لتكتشف بدورك صوتك أنت. ستتعلم كيف تبني مشهداً حيوياً بكامل تناقضاته وتعقيداته مثل تشارلز ديكنز، وكيف تصف مثل جيمس جويس؛ كيف تقود بالبلاغة مثل وينستون تشرشل، وكيف تعبر عن أحاسيسك مثل غريغوري روبرتس؛ ستتعلم كيف تكون ساخراً مثل جيري ساينفيلد، وكيف تُقْنع الآخرين مثل روبن ويليامز، وتكتب جملة طويلة مثل جاك كيرواك، وأسماء عظيمة أخرى كثيرة. خلال ذلك، ستستمتع بالتحليلات، رغم ما قد توحي به من جفاف؛ لذلك استعضنا عن الجفاف بالألوان. ستجد شروحاً نصيّة ورسومات توضيحية ملونة، وأحياناً مقاطع فيديو، كل ذلك لنجعل التعلّم حيوياً ومتعدد الأبعاد. كثيرة هي النصائح التي نقرؤها اليوم عن الكتابة: «كن مباشراً»، «اختصر»، «تخلّص من الحشو»، «ادخل صلب الموضوع، اجعل جملك قصيرة». وإذا دبّت الحماسة التراثية، تكون النصائح: «الألفاظ المتخيرة، والمعاني المنتخبة، والمخارج السهلة، والديباجة الكريمة، والطبع المتمكن، والسبك الجيد، وكل كلام له ماء ورونق». لا شك أن هذه النصائح جيدة؛ لكنها مجدية في حالات معينة، ولا ينبغي لها أن تكون قواعد مطلقة. الحقيقة أنه لا توجد طريقة واحدة للكتابة الحسنة، تماماً مثلما لا توجد طريقة واحدة للكلام الحسن. فاللغة التي تستخدمها في اجتماع عمل، تختلف تماماً عن التي تستخدمها في موعدك الغرامي الأول، وهي بدورها تختلف عن الطريقة التي تتحدث بها مع صديق. الكتابة هي تماماً مثل ذلك. في «مِمّا قرأت»، نحتفي بالجنون، والغرابة، والاختلاف، وهي جميعها جوهر أن تكون للكتابة «شخصية» وصوت. نحاول تعليمك كيف تكتب ببصمة إنسانية مميزة في عالم يوشك أن يغمره محتوى كتبه الذكاء الاصطناعي. الكتابة الإنسانية تتطلب تصميماً إنسانياً؛ لذلك أمضينا وقتاً طويلاً، وبذلنا جهداً استثنائياً في تصميم الصفحة التي تكرّم الأعمال الكلاسيكية دون أن تقع في فخ الرتابة و«الدقة» القديمة. كل لون، وعنصر، وخط، وشكل، وخلفية، اُختير بعناية ليكون كُلّاً واحداً يناهض «التسطيح» في عالم الإنترنت والسوشال ميديا؛ العالم الذي نعيشه، و… نقاومه. الآن، الكرة في ملعبك، إذا أردتَ تعلّم الكتابة، ابدأ من هنا.

bottom of page